الرئيس الأوزبكي: لدينا فرصة تاريخية لجعل منطقتنا مزدهرة،

طشقند
قال الرئيس الأوزبكي شوكت ميرضيائيف في مقابلة حصرية مع يورونيوز إن القمة المقبلة في سمرقند ستكون تاريخية حقا لأنها ستجمع لأول مرة زعماء دول آسيا الوسطى الخمس والاتحاد الأوروبي في مكان واحد.
حيث تشكل قمة آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي التي ستعقد في مدينة سمرقند التاريخية في أوزبكستان تطوراً هاماً في العلاقة بين آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي.
ويأتي هذا الاجتماع في وقت يشهد عدم استقرار جيوسياسي عالمي ومخاطر اقتصادية وتحديات مناخية، وهو ما يعني بدوره الحاجة إلى أشكال جديدة من التعاون الدولي.
وتهدف القمة إلى تعزيز الشراكات الاقتصادية: مع تضاعف التجارة بين آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي أربع مرات خلال السنوات السبع الماضية، تسعى القمة إلى البناء على هذا الزخم والبحث عن تعاون إقليمي أكبر مع معالجة التحديات المشتركة.
تحدثت يورونيوز مع الرئيس الأوزبكي شوكت ميرضيائيف حول أهداف القمة وتوقعاتها، والعلاقات التاريخية والمصالح المشتركة بين المنطقتين.
يورونيوز: في السنوات الأخيرة، تغير العالم بسرعة: عدم الاستقرار الجيوسياسي، والمخاطر الاقتصادية المتزايدة، والتحديات المناخية – كل هذا يتطلب أشكالاً جديدة من التعاون الدولي.
في هذا السياق، تُعتبر قمة آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي في سمرقند نقطة تحول في العلاقات بينهما. لماذا يصل التعاون الآن إلى مستوى جديد؟
الرئيس شوكت ميرضيائيف: تربط منطقتانا جذور تاريخية راسخة، ومصالح مشتركة، ورغبة مشتركة في شراكة وثيقة. ولدينا رؤية واضحة لأجندة التعاون مع الاتحاد الأوروبي، تستند إلى ما يقرب من ثلاثين عامًا من التعاون.
إن شراكتنا مع الاتحاد الأوروبي هي علاقة متبادلة من المفترض أن يستفيد منها كلا الجانبين.
يُعدّ التعاون بين آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي منصةً فريدةً للتفاعل، لا مثيل لها من حيث نطاقه ونطاقه المؤسسي. ويُعدّ الاتحاد الأوروبي، الذي يضم 27 دولة، بما في ذلك دول مجموعة السبع الثلاث (ألمانيا وفرنسا وإيطاليا)، أكبر رابطة تكامل تُبني تفاعلاً منهجيًا مع آسيا الوسطى على المستوى الإقليمي.
ويشمل التعاون مع الاتحاد الأوروبي مجموعة واسعة من المجالات – من الاقتصاد والاستثمار إلى التنمية المستدامة والأمن والتحول الرقمي – ويستند إلى أولويات استراتيجية طويلة الأجل.
نلتقي بانتظام مع زملائنا الأوروبيين. وقد ازدادت زيارات قادة الدول الرائدة في العالم إلى المنطقة بشكل ملحوظ. أقامت أوزبكستان شراكة استراتيجية مع إيطاليا والمجر وفرنسا. وأصبحت ألمانيا ودول آسيا الوسطى شركاء استراتيجيين إقليميين.
ويعمل الاتحاد الأوروبي اليوم بشكل مستمر على تطوير العلاقات التجارية والاستثمارية مع دول آسيا الوسطى.
على مدى السنوات السبع الماضية، تضاعف حجم التجارة بين بلدان آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي أربع مرات، ليصل إلى 54 مليار يورو.
يسعدنا أن نرى الاهتمام المتزايد من جانب الشركات الأوروبية بفرص التفاعل التجاري والاستثماري مع أوزبكستان ودول أخرى في المنطقة.
إن التطورات الإيجابية الملحوظة في المنطقة تُبرز تزايد الاهتمام بآسيا الوسطى، مما يجعلها شريكًا مهمًا للقوى العالمية ودولًا رائدة تقع على مفترق طرق جيوسياسي بالغ الأهمية بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب. ويتجلى ذلك في صيغ “التعاون الآسيوي الأوروبي بلس”، التي تتيح الحفاظ على حوار مفتوح، وتهيئة ظروف مواتية للتعاون ذي المنفعة المتبادلة بين جميع الأطراف المعنية.
وفي ظل هذه الظروف، فإن إقامة شراكة استراتيجية بين بلدان منطقتنا والاتحاد الأوروبي خلال القمة في سمرقند سيفتح مجالات جديدة في تطوير التعاون والترابط بين المناطق.
يورونيوز: هل يمكنكِ إخبارنا المزيد عن اختيار سمرقند لاستضافة القمة؟ ما هي أهميتها الرمزية من حيث الحوار والفرص المتاحة؟
الرئيس شوكت ميرضيائيف: سمرقند مدينةٌ لطالما كانت مركزًا للتجارة والعلوم والدبلوماسية على مرّ القرون. وقد بُنيت مجدها على قدرتها على توحيد الثقافات والشعوب والأفكار. واليوم، تعود سمرقند لتصبح منبرًا لأوروبا وآسيا الوسطى لمناقشة التحديات الرئيسية في عصرنا.
تحتل سمرقند مكانة خاصة في تاريخ العلاقات الدولية الممتد لقرون بين شعوب منطقة آسيا الوسطى والجنوبية والشرق الأوسط الشاسعة. فمن هنا، أقام الأمير تيمور، حاكم مافيرانهر، اتصالات نشطة مع ملوك أوروبا قبل أكثر من ستة قرون لضمان تجارة حرة وآمنة.
في الوقت الحاضر، تستعيد سمرقند دورها الخاص في الحياة الدولية، وتحافظ على التراث السياسي والدبلوماسي التاريخي للبلاد وتضاعفه في شكل جديد وأوسع.
تاريخيًا، يُنظر إلى عالم سمرقند على أنه عالم واحد لا يتجزأ، لا مُقسّم. هذا هو جوهر ظاهرة فريدة – “روح سمرقند”، التي يُبنى على أساسها شكل جديد كليًا من أشكال التفاعل الدولي.
يورونيوز: كيف تصفون التغييرات الرئيسية التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الماضية، وما هي الأولويات التي حددتموها خلال فترة رئاسة أوزبكستان لمجموعة الخمس في آسيا الوسطى؟
الرئيس شوكت ميرضيائيف: بدايةً، أودّ التأكيد على أن آسيا الوسطى تُمثّل أولوية قصوى في السياسة الخارجية لأوزبكستان، وذلك لعدة عوامل. أولًا، إذا نظرنا إلى الخريطة السياسية للعالم المعاصر، سيتضح جليًا أن الغالبية العظمى من النزاعات المسلحة والمواجهات واندلاع العنف تقع بين الدول المتجاورة. وهذا ينطبق على الشرق الأوسط، ودول ما بعد الاتحاد السوفيتي، وجنوب آسيا، وأفريقيا، ومناطق أخرى من العالم.
ولكن لسوء الحظ، لم تصبح آسيا الوسطى استثناءً.
لقد شهدت فترات مختلفة اشتباكات مسلحة، وتعقد الوضع بسبب النزاعات الإقليمية غير المحسومة، ومشاكل المياه والطاقة، وقضايا النقل والاتصالات، فضلاً عن التحديات الأمنية.
لم يكن من الممكن أن يستمر كل هذا إلى ما لا نهاية. تصاعدت التناقضات، وتعمّقت الخلافات، وشكّل الوضع المضطرب الناشئ تهديدًا خطيرًا لأمن المنطقة.
إدراكًا لهذا الوضع، اتخذنا قرارًا استراتيجيًا ببناء علاقات بناءة، قائمة على حسن الجوار، وذات منفعة متبادلة مع الدول المجاورة تدريجيًا في آسيا الوسطى. ويستند هذا النهج إلى الثقة والاحترام المتبادلين، ومراعاة المصالح المشتركة والاعتراف بها.
شهدت آسيا الوسطى تحولاً عميقاً في السنوات الأخيرة، واكتسبت هوية جديدة كفضاء للحوار البنّاء والثقة والتعاون الشامل. وقد تحقق ذلك بفضل الإرادة السياسية المشتركة لقادة بلداننا، واليوم يمكننا أن نؤكد بثقة استحالة التراجع عن هذه العملية.
عندما طرحت أوزبكستان في عام 2017، خلال الدورة الثانية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، مبادرة عقد اجتماعات تشاورية، انطلقنا من فكرة بسيطة ولكنها مهمة: لن يتمكن أي شركاء خارجيون من مساعدتنا في بناء السلام والاستقرار والازدهار في المنطقة إذا لم نبدأ بأنفسنا بحوار قائم على الثقة والصراحة.
لقد أثبتت هذه العملية فعاليتها. واليوم، نحلُّ أكثر القضايا تعقيدًا على طاولة المفاوضات، وننسق مبادراتنا المشتركة، ونتقدم بثقة.
سيُعقد هذا العام الاجتماع التشاوري السابع في طشقند. في هذه الاجتماعات، لا نكتفي بمناقشة جدول الأعمال و”إعادة ترتيب أوراقنا”، بل نتخذ قرارات ملموسة تُغيّر وجه المنطقة. ومن أبرز الأمثلة الحديثة على ذلك التسوية الكاملة لمسألة ترسيم الحدود بين قيرغيزستان وطاجيكستان. وهذا إنجازٌ عمل الطرفان على تحقيقه لسنوات طويلة.
ولتحفيز التجارة، يتم إنشاء مناطق تجارية حدودية، وإطلاق صناديق استثمارية مشتركة، وتنفيذ مشاريع كبرى في البنية التحتية والصناعية.
تُصبح آسيا الوسطى حلقة وصل مهمة في سلاسل النقل العالمية. ونعمل بنشاط على تطوير ممرات النقل عبر بحر قزوين وعبر أفغانستان، مما سيُمكّن بلداننا من توسيع نطاق الوصول إلى الأسواق العالمية الرئيسية.
وهكذا، لم تعد آسيا الوسطى على هامش التاريخ، بل تتحول إلى منطقة ديناميكية النمو تُشكل أجندتها الاستراتيجية الخاصة. وقد أتاح التوطيد السياسي، والثقة العالية التي تحققت، والمبادرات الاقتصادية المشتركة في المنطقة فرصًا جديدة للتنمية المستدامة.
خلال رئاستها لمجموعة الدول الخمس في آسيا الوسطى، ستولي أوزبكستان اهتماما خاصا لثلاثة مجالات رئيسية: تعزيز الأمن الإقليمي، وتعميق التكامل الاقتصادي، والاستدامة البيئية.
نحن أمام فرصة تاريخية لجعل منطقتنا ليس فقط مستدامة، بل مزدهرة أيضًا. وأنا على ثقة بأننا سنتمكن من تحقيق هذه الإمكانات بجهودنا المشتركة.
يورونيوز: ما هي الإصلاحات التي نفذتها أوزبكستان والتي تحفز تعزيز الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، وما هي التدابير التي يتخذها الاتحاد الأوروبي والتي يمكن أن ترفع الروابط مع آسيا الوسطى إلى مستوى جديد؟
الرئيس شوكت ميرضيائيف: في أوزبكستان، نعمل باستمرار على تهيئة بيئة أعمال مواتية، وتطوير مؤسسات السوق، وتحسين مناخ الاستثمار. ومن أهم الخطوات في هذا الاتجاه تطبيق نظام “الشباك الواحد” للمستثمرين الأجانب، وتحرير سوق الصرف الأجنبي، وتخفيض العبء الضريبي على الشركات.
نتيجةً لذلك، شهد التعاون الاقتصادي بين بلادنا والاتحاد الأوروبي تطورًا إيجابيًا. ففي عام ٢٠٢٤، بلغ حجم التبادل التجاري بين أوزبكستان ودول الاتحاد الأوروبي ٦.٤ مليار دولار أمريكي، بزيادة قدرها ٥.٢٪ مقارنةً بالعام السابق.
تعمل في أوزبكستان حاليًا أكثر من ألف شركة برأس مال أوروبي، ويبلغ إجمالي حجم مشاريع الاستثمار 30 مليار يورو. ونتوقع أن يفتح توقيع اتفاقية الشراكة والتعاون المعززة (EPCA) مع الاتحاد الأوروبي آفاقًا جديدة لتعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية.
نحن مستعدون لتزويد سوق الاتحاد الأوروبي بكميات أكبر من المنتجات عالية الجودة والصديقة للبيئة، والتي تلبي أعلى المعايير الأوروبية. في عالمنا المعاصر، يتزايد أهمية تطوير ممرات نقل ولوجستية فعّالة، ويمكن لآسيا الوسطى أن تكون بمثابة جسر بين أوروبا وآسيا، بالإضافة إلى دورها كمشارك فاعل في العمليات الاقتصادية العالمية.
في هذا السياق، نقترح مواءمة استراتيجية الاتحاد الأوروبي للبوابة العالمية مع مشاريع النقل الرئيسية في منطقتنا، بالإضافة إلى وضع خطة عمل مشتركة للنهوض بممر النقل عبر بحر قزوين. سيعزز ذلك نمو الاستثمار، وتطوير البنية التحتية، وإدخال التقنيات المبتكرة.
للارتقاء بالترابط الاقتصادي إلى مستوى جديد نوعيًا، من الضروري تبسيط إجراءات التجارة بشكل أكبر، وتحسين وصول سلع آسيا الوسطى إلى الأسواق الأوروبية، وتوحيد المعايير الفنية وعمليات إصدار الشهادات. ويلعب استقطاب الشركات الأوروبية للمشاركة في مشاريع البنية التحتية، وتطوير الاقتصاد الرقمي، وتعزيز التعاون القائم على الابتكار دورًا حاسمًا في ذلك.
كما ندعم تفعيل آليات المساعدة المالية، بما في ذلك من خلال البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، وبنك الاستثمار الأوروبي، ومؤسسات مالية دولية أخرى. إن تهيئة الظروف المواتية لنمو الشركات الصغيرة والمتوسطة في المنطقة، بمشاركة الشركاء الأوروبيين، من شأنه أن يُسهم في تعزيز المرونة الاقتصادية وتحسين مستوى معيشة السكان.
يورونيوز: تُعدّ آسيا الوسطى من المناطق القليلة التي تتمتع باحتياطيات كبيرة من موارد الطاقة وإمكانات هائلة لتطوير الطاقة المتجددة. ما الدور الذي يمكن أن تلعبه منطقتكم في ضمان استقرار الطاقة في أوروبا، لا سيما في ظل التوجهات الحديثة نحو مصادر الطاقة المتجددة؟
الرئيس شوكت ميرضيائيف: آسيا الوسطى يمكن أن تصبح شريكًا موثوقًا به، وقادرًا ليس فقط على ضمان إمدادات الطاقة المستقرة ولكن أيضًا على تقديم مساهمة كبيرة في إزالة الكربون العالمي.
من أهم مجالات التعاون المشروع الجاري تنفيذه، والذي تشارك فيه دول آسيا الوسطى، لإنشاء ممر استراتيجي أخضر يمر عبر بحر قزوين والبحر الأسود إلى أوروبا. وسيُرسي تنفيذ هذه المبادرة أساسًا متينًا لتواصلنا في مجال الطاقة ذي المنفعة المتبادلة.
يمكن أن يكون إنشاء شراكة الطاقة النظيفة بين آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي منصةً مؤسسيةً مهمةً للتعاون في مجال الطاقة المتجددة. ستُسهّل هذه المبادرة التعاون في إنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا والوقود الحيوي كبدائل مستدامة للوقود الأحفوري.
تعمل أوزبكستان ودول أخرى في المنطقة حاليًا بنشاط على توسيع قدراتها في مجال الطاقة المتجددة. كما سيدعم تنفيذ مشاريع الطاقة الخضراء والمناخ تطوير سوق ائتمان الكربون في آسيا الوسطى.
وستتيح هذه الآلية للشركات جذب الاستثمارات في التقنيات النظيفة في حين تعمل كمنصة للتعاون الدولي في مجال تجارة الكربون.
وبالإضافة إلى محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الـ14 التي تم تشغيلها حديثاً، نخطط لتنفيذ أكثر من 50 مشروعاً مماثلاً بقدرة إجمالية تبلغ 24 ألف ميغاواط.
على مدى السنوات الخمس المقبلة، نهدف إلى زيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة إلى 54%. سيساعد هذا في خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنحو 16 مليون طن، ويساهم في وفاء أوزبكستان المبكر بالتزامها بخفض الانبعاثات بنسبة 35% بموجب اتفاقية باريس.
ومن بين المجالات المهمة الأخرى التركيز على تحديث أنظمة الطاقة، وهو ما من شأنه أن يعزز الكفاءة ويقلل من البصمة الكربونية.
يورونيوز: كيف تقيّمون آفاق مناقشة القضايا الأمنية في القمة المقبلة؟ ما هي مجالات التعاون بين آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي التي تهمّكم بشكل خاص؟
الرئيس شوكت ميرضيائيف: نشهد تحولاً جذرياً في منظومة العلاقات الدولية. يشهد العالم تغيرات واسعة النطاق، يصعب التنبؤ بعواقبها.
لطالما كان ضمان الأمن الإقليمي، ولا يزال، من أهم أولويات دول آسيا الوسطى. ولذلك، حددنا في عام ٢٠٢٣ هدفًا يتمثل في طرح أجندة جديدة للتعاون بين آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي في هذا المجال على طاولة نقاش الخبراء.
نُدرك أن منطقتنا والاتحاد الأوروبي يواجهان تهديدات وتحديات أمنية مشتركة، بما في ذلك مكافحة الإرهاب والتطرف والجريمة العابرة للحدود الوطنية، مثل الاتجار بالمخدرات. وفي هذا الصدد، يُعدّ التعاون مع الاتحاد الأوروبي في مجال الأمن أحد المجالات الرئيسية لشراكتنا.
ونظراً للواقع الحالي، فإننا نعتقد أنه من الضروري ليس فقط مواصلة التعاون في إطار البرامج القائمة، بل وأيضاً تطوير مبادرات جديدة تهدف إلى مواجهة التهديدات السيبرانية والتطرف.
يورونيوز: لا تزال أفغانستان محورًا رئيسيًا في السياسة الخارجية لأوزبكستان. وبينما تمتنع دول عديدة عن التعاون مع الحكومة المؤقتة ودمج أفغانستان في التعاون الإقليمي والدولي، تتفاعل أوزبكستان بنشاط مع جارتها الجنوبية.
ما هي دوافع نهج أوزبكستان تجاه أفغانستان، وما هي آفاق الحفاظ على مستوى عال من التعاون بين بلدينا بشأن هذه القضية؟
الرئيس شوكت ميرضيائيف: لطالما كان نهج أوزبكستان تجاه أفغانستان عمليًا واستراتيجيًا على المدى الطويل. لم نعزل جارنا قط أو نبتعد عنه.
لقد كنا نعتقد دائمًا أن تنمية أفغانستان مستحيلة دون مشاركة بناءة مع الدول المجاورة، بما في ذلك أوزبكستان باعتبارها شريكها الأقرب والأهم.
ولا بد من الاعتراف بأن كثيرين ممن اختلفوا في البداية مع سياستنا تجاه أفغانستان أصبحوا الآن مضطرين إلى الاعتراف بصحتها وحتميتها.
كنا مقتنعين بأن النظام السابق في أفغانستان لن يكون قادرا على الحفاظ على السلطة بسبب عدة عوامل – عدم قدرته على بسط سيطرته الكاملة على أراضي البلاد، وعدم رغبته في الدخول في حوار مع المعارضة، وافتقاره إلى النية لتشكيل حكومة شاملة، والفساد المستشري الذي انتشر في جميع مستويات الإدارة السابقة.
لقد نجحت القيادة الحالية في تحقيق الاستقرار في أفغانستان وإعادة توجيه مواردها نحو تطوير البنية الأساسية، بما في ذلك المطارات وشبكات السكك الحديدية المحلية ومرافق المياه والطاقة، فضلاً عن الحد من زراعة الأفيون.
وفقًا لبيانات الأمم المتحدة، انخفضت زراعة الأفيون في أفغانستان بنسبة 95% بعد حظر طالبان بيع المخدرات عام 2023. كما تُبذل جهود لدعم المجتمعات الريفية وتشجيع الزراعة البديلة لبناء مستقبل خالٍ من إدمان الأفيون في أفغانستان.
في سياقنا الراهن، ينبغي النظر إلى أفغانستان من منظور الفرص الاستراتيجية الناشئة. ومن الأهمية بمكان دمج أفغانستان في العمليات الاقتصادية العالمية، بما في ذلك من خلال تنفيذ مشاريع البنية التحتية على أراضيها.
في هذا السياق، نحن على استعداد للعمل مع الاتحاد الأوروبي وشركاء دوليين آخرين لتعزيز أجندة ومبادرات إيجابية من شأنها مساعدة أفغانستان ليس فقط على تجاوز الأزمات الحالية، بل أيضًا على تحقيق التنمية على المدى الطويل. ونرى أن المهمة الأساسية في هذه المرحلة هي مواصلة تقديم المساعدة لأفغانستان في مجال التعليم.
وأنا على قناعة بأن استقرار الوضع في أفغانستان وإعادة إعمارها يصب في المصلحة المشتركة لدول آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي.
يورونيوز: كيف يمكن لآسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي التعامل بشكل مشترك مع التهديدات المناخية وما هي فرص الشراكة؟
الرئيس شوكت ميرضيائيف: يُعدّ تغيّر المناخ تحديًا لا يُمكن تجاهله بعد الآن. تواجه آسيا الوسطى موجات جفاف وذوبانًا للجليد ونقصًا في المياه، بينما تشهد أوروبا حرًا شديدًا وحرائق غابات وتغيرات في النظم البيئية.
وباعتبارها واحدة من المناطق الأكثر عرضة لتغير المناخ، فإن آسيا الوسطى تدرك مسؤوليتها وهي مستعدة للعمل مع أوروبا لإيجاد حلول طويلة الأجل.
من أولوياتنا الرئيسية تعزيز الأجندة الخضراء في آسيا الوسطى. وفي قمة سمرقند المقبلة، نعتزم طرح مفهوم التنمية الخضراء الإقليمية، الذي يهدف إلى إرساء أسس متينة لشراكات إقليمية فعّالة في مجال الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية وتبني التقنيات الخضراء.
نقترح تطوير شراكة خضراء بين الاتحاد الأوروبي وآسيا الوسطى، حيث يمكننا توحيد الجهود لتمويل المشاريع المتعلقة بالطاقة المتجددة، واستعادة النظم الإيكولوجية، ومراقبة المناخ الرقمية.
يُعدّ الحفاظ على المياه مجالًا بالغ الأهمية نرى فيه فرصًا واعدة للشراكة مع الاتحاد الأوروبي، بدءًا من تحديث البنية التحتية للري، وصولًا إلى المراقبة المشتركة للأنهار الجليدية، وإدخال تقنيات متطورة لتوفير المياه. كما نتطلع إلى توسيع نطاق التعاون مع الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك من خلال اعتماد أفضل الممارسات الأوروبية في الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
يُعدّ استعادة النظم البيئية والحفاظ على التنوع البيولوجي من الأولويات الرئيسية أيضًا. وقد أطلقنا بالفعل مبادرة الحزام الأخضر لآسيا الوسطى، وهو برنامج تشجير واسع النطاق يهدف إلى استعادة الأراضي المتدهورة، بما في ذلك منطقة بحر الآرال. ونرى إمكانات كبيرة للتعاون مع الاتحاد الأوروبي في هذا المجال.
علاوةً على ذلك، نحن ملتزمون بتحسين التعليم البيئي ودفع عجلة البحث العلمي. في العام الماضي، أنشأنا أول جامعة خضراء في المنطقة، والتي تُعدّ منصةً فعّالة للبحوث المشتركة وتطبيق الحلول المبتكرة.
يورونيوز: هل يمكنكم مشاركة توقعاتكم للاجتماع القادم على أعلى مستوى؟ ما هي النتائج التي ترغبون في رؤيتها في ختام القمة؟
الرئيس شوكت ميرضيائيف: القمة المقبلة ستكون تاريخية حقا لأنها ستجمع لأول مرة زعماء دول آسيا الوسطى الخمس والاتحاد الأوروبي في مكان واحد.
نتوقع أن تُمثل القمة المقبلة إنجازًا هامًا في تطوير العلاقات بين آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي. ففي السنوات الأخيرة، بلغ تفاعلنا مستوىً جديدًا نوعيًا.
ونحن نعول على تعميق الحوار السياسي وتطوير آليات جديدة للتفاعل، مما سيجعل تعاوننا أكثر منهجية وتوجهاً نحو الأهداف طويلة الأجل.
وسيكون أحد البنود المهمة على جدول الأعمال مناقشة التعاون الإقليمي، وخاصة في مجالات الاقتصاد والتجارة والطاقة والنقل.
ومن بين النتائج الرئيسية للقمة التوقيع على إعلان سمرقند، الذي سيعكس التطلع المشترك للأطراف لإقامة شراكة استراتيجية.
لن يُعزز هذا الإعلان الاتفاقيات المبرمة فحسب، بل سيُرسي أيضًا أسس تعميق العلاقات بين منطقتينا. ونأمل في التوصل إلى اتفاقيات ملموسة بشأن توسيع التعاون الاستثماري، وتنفيذ مشاريع البنية التحتية المشتركة، ودعم الابتكار والحلول الرقمية.
بالطبع، ستُجاب على العديد من الأسئلة بعد نتائج القمة. ومع ذلك، يمكننا القول إن هذا الاجتماع سيكون خطوةً نحو بناء شراكة مستدامة ومفيدة للطرفين بين الاتحاد الأوروبي وآسيا الوسطى، قائمة على المصالح المشتركة والثقة المتبادلة والرغبة في التنمية المشتركة.
يورونيوز: إذا أتيحت لك الفرصة لإرسال رسالة واحدة إلى الزعماء الأوروبيين ومواطنيهم، ماذا ستكون؟
الرئيس شوكت ميرضيائيف: أود أن أغتنم هذه الفرصة لأتوجه بالحديث إلى شركائنا الأوروبيين.
آسيا الوسطى منفتحة على الحوار والتفاعل المتنامي. ندعو إلى تعاون بنّاء قائم على مبادئ المنفعة المتبادلة والثقة المتبادلة، بما يخدم التنمية المستدامة ويعزز رفاهية شعوبنا.
نُقدّر عالياً دعم الاتحاد الأوروبي لتطلعاتنا نحو انفتاح المنطقة وازدهارها وتعزيز استقلاليتها. ومن المهم للغاية أن يشاركنا الاتحاد الأوروبي هدفنا المتمثل في تحويل آسيا الوسطى إلى منطقة موحدة وديناميكية، جاهزة لشراكة منفتحة ومتساوية مع جميع الأطراف المعنية.
ستكون القمة المقبلة محطةً مهمةً في علاقاتنا. ونحن على ثقة بأن نتائج اجتماع سمرقند ستفتح آفاقًا جديدةً لمزيد من التعاون.
اترك تعليقاً