في رحاب الوطنية

احسان باشي العتابي
كبقية أهالي مدينة الكوت، مركز محافظة واسط، أتردد على أسواق المدينة،لشراء ما أحتاجه؛ وبضمن تلك الأسواق ،هو “سوق الشيشان”،وتحديدًا مبتغاي فيه ،بتجاه البقالين في الأعم الأغلب.
في أحد الأيام، وتحديدًا بعد فترة أشهر، من الاحتلال الامريكي للعراق، آي في عام 2003 ؛كنت قاصدًا سوق الشيشان،فلفت انتباهي،وجود شقيق والدي رحمه الله ،العم المرحوم ابا حمزة. وقد أتخذ لنفسه مجلسًا ،أمام إحدى المحال هناك، فقصدته للسلام والاطمئنان عليه، كوني لم أحظى بلقائه، منذ أيام عديدة مضت؛بعدها دار حوارًا بيني وبينه، في كثير من المواضيع، كونه ذو ثقافة عامة عالية ،ويكتب الشعر قليلًا منذ رعيان شبابه.
فانصب حينها الحديث، حول التواجد الامريكي بالعراق، وهنا حقيقة، تجلت لي الروح الوطنية ،برجل عراقي ،أصاب العوق جزءا من جسمه، ولا يملك حتى منزلًا شخصياً في بلده، ولا يستحصل سوى على راتبه التقاعدي، الضئيل جدًا جدًا كبقية متقاعدي العراق. فشاهدته قد أطرق برأسه نحو الأرض،برهة من الوقت ،ثم رفع رأسه مجددًا ،موجهاً نظره نحوي ،وإذا بي أشاهد عيناه، محمرتان ويذرفان الدموع بحرقة شديدة؛ بعدها قال لي باللغة العراقية الدارجة(عمو احسان، هذول السفلة العملاء، وخاصة أهل العمايم وذكرهم بالأسماء، باعوا العراق)ثم أخذ منه البكاء مأخذه ،حتى بدء بالنحيب ،وتناسى أننا نتوسط المارة في الشارع!!!
فحاولت تهدئته بأسلوبي، الذي أعتدت عليه معه، فهو كان لي بمثابة الصديق ؛فبادرته مباشرة، بوضع مبلغ من المال في جيبه، وأنا مبتسم مازحًا معه(هذا المبلغ، من أجل أن تشتري زجاجة عرق بعشيقة،كي تنسى أولئك الشراذم المتآمرين على العراق).للأمانة كان بطباعه مهذب اللسان، بشوش الوجه، صاحب نكته، أنيق المظهر كعادته.
بعدها استئذنت منه وودعته، لكن كلماته وحرقته ودموعه، لم ولن تفارق ذهني، ومنذ تلك اللحظة، وآنا أردد أبياتًا من وحي قريحتي..
شارب الخمر
يبكي لما حل
بموطنه
وعابد الإله لأعدائه
يتودد
بصاحب الكأس
تجلت كل عظيمة!
وعن دعاة الدين
كانت تتهرب!
اترك تعليقاً