بين حقيقة المزارات وعدمها..بوصلة المجتمع إلى أين ؟!

احسان باشي العتابي
منطقيًا أن كل شيء، إذا ما زاد عن حده وخرج عن المألوف،سيكون عبئًا ثقيلًا على الفرد والمجتمع على حد سواء؛ حتى إذا كان ظاهرًا وواقعًا فيه شيء من الايجابية لدرجة معينة! ولولا أن تبيانها قد يرهق القارئ اللبيب، لتطرقت لأمثلة عديدة منها.
من خلال تعليق العشرات على أغلب ما أتبناه في طرحي ،والذين يؤيدهم الكثير بحسب الواقع الملموس، إذ يعتقد أولئك جميعاً،أني أستهدف النظام السياسي القائم ،منذ توليه إدارة دفة الحكم بالعراق ،إبان أحتلال آمريكا للعراق؛ ويستدلون على اعتقادهم ذلك ،من خلال الملازمة التي دائمًا ما أؤكد عليها آنا ،وهي مجريات الأحداث السيئة جدًا جدًا على كافة الأصعدة منذ ذلك الحين وحتى اللحظة!
فمن تلك الأمور السيئة جدًا،والتي أصبحت ظاهرة لا غنى عنها ،لنسبة ليست بالقليلة من العراقيين، هي أنتشار”المزارات الدينية ” بعد الاحتلال بشكل ملفت للنظر، وتحديدًا في بعض محافظات البلاد، دون أي سند من شأنه يثبت صحة تلك المزارات من عدمها! آلا يستدعي ذلك أن نفكر قليلًا ونطرح تساؤلات عقلائية..
أين كانت كل تلك”المزارات الدينية” قبل الاحتلال؟!
ولماذا لم تهتم كل الجهات ذات العلاقة بها من قبل وهي تعتبر من صميم عملها؟!
خاصة أنها لا تعتبر من المحظورات آنذاك! التي تستدعي عدم التطرق لها، فضلاً عن الاهتمام بها ،وهذا جوابًا على من قد يشكل على كلامي ،أن النظام السابق لا يسمح لتلك الجهات الدينية المختصة، للاهتمام وتبيان حقائق أصحاب تلك المزارات ،التي أثبتت بأسانيد معتبرة ،وسوف أستدل على هذه الجزئية تحديدًا بواحدة منها..
كلنا نعلم ،كيف أخذ الشياع مأخذه بخصوص مزار “علي أبن الحسين” في مدينة الحلة ،في تسعينيات القرن المنصرم وسنوات قليلة من القرن الذي تلاه،أذ أخذت الألسن تتناقل عشرات الحكايات ،عن كراماته ومعاجزه بخصوص قاصديه! وللأمانة التاريخية أن الوحيد من بين علماء مدينة النجف، تصدى لتلك الظاهرة أعني”مزار علي أبن الحسين” هو المرجع الديني محمد الصدر(رحمه الله)! حيث أصدر حينها بيانًا أوضح فيه، أنه لا يوجد سند معتبر من ذوي الاختصاص، يثبت صحة انتساب فضلًا عن وجود مثل تلك الشخصية تنتسب لأحد أئمة آل بيت النبي محمد(ص)!
وللأسف الشديد، لم يستمع لكلامه ألا القليل بالمجتمع لاسباب يطول شرحها كذلك! المضحك المبكي بالأمر، أن بعد الاحتلال أخذ شياع ذلك النجم الساطع صاحب الكرامات والمعاجز بالاندثار! حتى كأنه لم يكن صاحب ذلك الشأن يوماً! وهنا أطرح تساؤلاً من شقين..
هل الإله غضب عليه لسبب ما ،فانتزع منه تلك الأمور التي كانت تتناقلها الناس فيما بينها؟! أم أنها وأعني كراماته ومعاجزه أنتهت بسبب بلوغها حد الانتهاء (اكسباير)؟!
ننتظر الإجابة بهذا الخصوص..
وفيما بعد، وبينما المجتمع مشغول بقضية إسقاط النظام في البلد من قبل امريكا، وإذ يظهر نجم جديد بسماء أهل الكرامات والمعجزات..آلا وهي”مزار شريفة بنت الحسن”! وما حدث مع علي أبن الحسين وغيره ،حدث معها وما زال حد اللحظة! اللافت في الموضوع حاليًا ،أن عدد معتد به من ذوي الاختصاص تحدثوا بشأنها، وأكدوا أنه لا وجود لأي دليل معتبر ولو ضعيف، على وجود شخصية تنتسب لآل بيت النبي بذلك الاسم! ومع ذلك فان مزارها ما زال يمارس مهامه بحجة قضاء الحوائج لمن يقصده!
والشيء بالشيء يذكر فان حادثة ما تسمى”قطارة الأمام علي”،كشفت بل فضحت تلك الإدعاءات وعرت أصحابها ،واللافت كذلك في قضيتها، أنها كانت بعلم ومباركة شخصيات دينية مسؤولة، لكن بعد الحادثة أنكروها وتبرؤوا منها، رغم كل الأدلة والشواهد التي تثبت تاييد القائمين عليها لسنوات طويلة!
ومن خلال التقصي عن قضية المزارات، توصلت لإحصائية كانت قد أعدتها دائرة المزارات الشيعية ،التابعة لديوان الوقف الشيعي، حيث ذكرت أن هنالك(135) مرقدًا مسجلًا لديها فقط، من بين مجموع(664)مرقد منتشرة في عموم البلاد! وبحسب تلك الإحصائية فأن تلك المزارات البقية والبالغة(529) مزارًا ،هي خارجة عن إدارتها ،وتديرها عائلات بعينها!حيث تأخذ تلك العائلات شرعيتها، بإثبات صحة تلك المزارات ،من خلال (القاصدين لها)! وهو المطلوب طبعًا ،لأنها بالنتيجة تدر عليهم أموال طائلة قد تصل في بعض منها لموازنة وزارة ما!
وفي خضم تلك القضية الشائكة تطرح الأسئلة نفسها على الجميع…
أولًا:كيف لأولئك قاصدين تلك الأماكن، أن يؤمنوا بها إلى حد يتنكرون لكل ما يثأر إزاءها، من قبل بعض ذوي الاختصاص بذلك المجال، والذي يعتبر كلامهم حجة عليهم؟!
ثانيًا:وهو المهم بل الأهم ،لماذا لا يعتمد ديوان الوقف الشيعي تلك الاحصائية التي تبناها، والتي بينت عدد المزارات الصحيحة من عدمها، من خلال التنسيق مع الجهات الحكومية المسؤولة المختصة، والتي تفضي بإزالة كل ما من شأنه يشيع الخرافة، تحت مسمى المزارات التي غايتها واضحة جدًا، وهي “الكسب المادي” على حساب “عقائد الناس “؟! وخاصة أن تلك الخطوة من صميم واجباته تجاه المجتمع، بإعتباره يتبع المرجعية الدينية، التي من المؤكد ستدعم موقفهم الايجابي ذاك ،وبهذا يكون توجههم شرعًا وقانونا مباح بل واجب التنفيذ.
مما يؤسف له ،أن تلك الظاهرة استفحلت بشكل كبير جدًا ،حتى أنها باتت تضر بعقيدة الوحدانية لله وأتباع من بعثهم للناس مبشرين ومنذرين بذات الوقت! فان ظاهرة لجوء الناس للمزارات ،حتى بفرض أن بعضها صحيحًا، بحجة كرامة أصحابها عند الإله، ما هي إلا بدعة وضلالة ،المراد منها تجهيل المجتمع، بحجة العقيدة والإيمان والمولاة لهذا الشخص أو ذاك.
حتى تناسوا أن أولئك الذين بعثتهم السماء، كانوا مجرد بشر ،كما أشارت لهذا المعنى جميع الكتب السماوية ،والقرآن بضمنها بطبيعة الحال؛لذلك كانت حياتهم تسير وفق النواميس الطبيعية بالحياة، أي يحتاجون الطبيب إذا ما تمرضوا، ويشربون ويأكلون متى ما شعروا بالعطش والجوع، ويستدينون المال إذا ما احتاجوا له ،والأمثلة كثيرة لا داعي أن أذكرها كلها فهي واضحة جدًا،فلو كانوا كما يعتقد الناس بهم اليوم، لكانوا قد دفعوا عن أنفسهم كل أمر فيه عناء ومشقة لهم ولمن هو بمعيتهم،فإذا كان الحال مع أولئك المرسلين بهذه الكيفية، فكيف بمن دونهم بالمستوى بكثير؟!
ختامًا..واهم جدًا ،من يعتقد أن هدفي هو المساس بعقيدة شريحة مجتمعية بعينها، إنما هدفي هو تبيان حقيقة تلك القضية بكل ما فيها من سلب وايجاب، حتى لا يكون كل من أنتهج ذلك النهج ،مصداقًا للآية “وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئًا ولا يهتدون”،وكذلك هي سنة سيئة ،سيتحملون وزرها ووزر من يعمل بها مستقبلًا إلى يوم القيامة!
اترك تعليقاً